لماذا السماء زرقاء وكيف يغير الضوء سرعته؟



هل تساءلت يومًا لماذا نرى السماء زرقاء أو ما هو سبب انكسار القلم عند وضعه في كوب ماء؟ إذا كنت من المتخصصين أو أحد روَّاد العلوم قد يبدو لك الأخير بسيطًا وتقول: لأن الضوء يغيِّر سرعته عند انتقاله بين الأوساط مختلفة الكثافة، لكن ما هي الكيفية التي يغيِّر الضوء فيها سرعته؟ لك أيها القارئ في هذا المقال شرح متواضع لهذه الظاهرة وُضِّح واستُنتِج من خلال دراسة لماذا نرى السماء زرقاء (١)

يجب أن أشير هنا أولا أن الضوء يمتلك خاصية مزدوجة وهي الموجة-الجسيم؛ أي أنه يتصرف في بعض الظواهر كموجات وفي أخرى كجسيمات، لكن يركِّز هذا المقال على شرح الظواهر كلاسيكيًا باستخدام الطبيعة الموجية للضوء والنظرية الكهرومغناطيسية للتبسيط وما يدخل من تعقيد -خارج عن معرفتي- في شرحها باستخدام الديناميكا الكهربائية الكمية (Quantum Electrodynamics). 


تخيّل شعاعًا حادًا من ضوء الشمس يتقدّم عبر الفراغ ويملك نطاق واسع من الترددات (٢). ينتشر الشعاع بشكل ضئيل أثناء تقدمه، باستثناء ذلك تستمر كل الطاقة في التقدّم للأمام بسرعة ٣ ´ ٨١٠ متر/ثانية، بالتالي لا يوجد تشتت ولا يمكن رؤية الشعاع من الجانب، كما أن الضوء لا يتوقف أو يتضاءل بأي شكل من الأشكال. الآن افترض وجود كتلة من الهواء تتكون من جزيئات غاز النيتروجين والأكسجين وما إلى ذلك (٣). لا تملك أي من هذه الجزيئات طول موجي في الضوء المرئي بالتالي لا تمتص ضوء الشمس ولا تُستحث إلى مستوى طاقة أعلى، وهكذا تكون هذه الغازات شفافة. بالمقابل يتصرف كل جزيء كمذبذب صغير وتُثار سحابة إلكتروناته للاهتزاز في الحالة الأرضية بواسطة فوتون ضوئي قادم، ولحظة وصوله إلى هذا الاهتزاز تنبعث فوتونات ضوئية لها طول موجي كمثل ما للفوتون القادم، وتنتشر في جميع الاتجاهات. تزداد سعات هذه الاهتزازات بالحالة الأرضية مع التردد، ولأن جميع الجزيئات في الغلاف الجوي لها رنين كهربائي (٤) في نطاق الأشعة الفوق بنفسجية تهتز الجزيئات وتنتشر موجات الضوء بشكل أكبر كلما اقترب التردد من الرنين.


تذكر معي أيها القارئ أن ضوء الشمس يملك جميع ترددات الضوء المرئي، لذا يُبَعثِر الضوء البنفسجي بقوة خارج الشعاع، وكذلك يُبعثر الضوء الأزرق بدرجة أقل قليلا، والضوء الأخضر بدرجة أقل بكثير، ثم الأصفر وهكذا؛ فالشعاع الذي يعبر الغاز (الغلاف الجوي) أكثر ثراءً بترددات النهاية الحمراء من الطيف المرئي، بينما الضوء المتناثر في الغلاف الجوي سيكون أكثر ثراءً باللون الأزرق. نظرًا لأن ضوء الشمس لا يحتوي على الكثير من الضوء البنفسجي في الأصل (٥)، وهذا جزيئًا سبب زُرقة السماء.


الطيف الكهرومغناطيسي وألوان الضوء المرئي، لاحظ أن اللون الأزرق أقرب لتردد الرنين من اللون الأحمر الذي يمثل النهاية الحمراء من الطيف المرئي.
نظرية تشتت رايلي تفترض أن الجزيئات المستقلة موزعة عشوائيًا في الفضاء بحيث لا توجد علاقة محددة بين أطوار الموجات الثانوية المتناثرة جانبيًا، ولا يوجد نمط مستمر من التداخل. يحدث هذا الوضع عندما يكون التباعد بين الجزيئات المتناثرة تقريبًا بطول موجة أو أكثر، كما هو الحال في الغاز الخفيف. تخيل شعاع ضوئي متوازي يسقط من اليسار يسمى بالحقل الضوئي الأساسي (يتكون من موجات مستوية) يضيء مجموعة من الجزيئات المتباعدة على نطاق واسع. تتوالى موجات الجبهة الأساسية وتقوم بتنشيط كل جزيء وإعادة تنشيطه تباعًا، والذي بدوره يشتت الضوء في جميع الاتجاهات. افترض وجود نقطة جانبية معينة أ، نظرًا لأن أطوال مسارات الموجات الفردية إلى أ تختلف بشكل كبير، فإن بعض الموجات الصغيرة التي تصل إلى أ تكون متقدمة على غيرها بينما تكون بعضها متأخرة. بمعنى آخر: أطوار الموجات الصغيرة في أ تختلف بشكل كبير  تذكر أن الجزيئات تتحرك أيضًا وهذا يغير الأطوار أيضًا، بالتالي في أي لحظة تتداخل بعض الموجات الصغيرة بشكل بناء وأخرى بشكل هدام. الجزيئات المتناثرة بشكل عشوائي ومتباعدة على نطاق واسع تستحث بواسطة موجة أساسية ساقطة، تصدر موجات صغيرة مستقلة عن بعضها في جميع الاتجاهات ما عدا الاتجاه الأمامي  يتدفق الضوء المتناثر جانبيًا غير متأثر بالتداخل، خارج الشعاع الأساسي. هذا تقريبًا هو الوضع الموجود على ارتفاع حوالي ١٠٠ ميل في الغلاف الجوي العلوي الخفيف للأرض، حيث يحدث الكثير من تشتت الضوء الأزرق.
ذكرت سابقًا أن الضوء يتقدم دائمًا للأمام، لكن هل سبق وأن تساءلت لماذا الاتجاه الأمامي بالذات؟ لاحظ أنه بالنسبة لنقطة أ في الاتجاه الأمامي جميع المسارات المختلفة التي يسلكها الضوء تكاد تكون ذات طول شبه متساوٍ  يُعدّل التشتت طول المسارات المختلفة بشكل ضئيل جدًا  وتصل الموجات الصغيرة المتناثرة إلى النقطة أ في نفس الطور تقريبًا وتتداخل بشكل بناء، وهو سبب تقدم موجات الضوء.

الآن افترض أن الضوء يسير في منطقة ذات كثافة عالية، أي أن المسافة بين الجزيئات أصغر من الطول الموجي للأشعة الضوء، حيث لا يمكن افتراض أن الموجات الضوئية الصغيرة المتناثرة التي تصدر من مصادر قريبة جدًا من بعضها تصل إلى نقطة معينة أ بأطوار عشوائية - سيكون للتداخل دور مهم. في مثل هذه الحالات، يواجه شعاع الضوء فعليًا وسطًا متجانسًا دون انقطاعات تدمر التماثل. مرة أخرى تتداخل الموجات الصغيرة المتناثرة بشكل بناء في الاتجاه الأمامي (هذا مستقل عن ترتيب الجزيئات)، ولكن الآن يسود التداخل الهدام في جميع الاتجاهات الأخرى. لا ينتشر إلا القليل من الضوء أو لا ينتشر أي ضوء جانبيًا أو خلفيًا في وسط متجانس كثيف.


انتقال الضوء عبر وسط متجانس هو عملية متكررة مستمرة من التشتت وإعادة التشتت. كل حدث من هذا النوع يضيف انزياحًا في الطور إلى الحقل الضوئي، والذي يظهر في النهاية كانزياح في سرعة الطور الظاهرة للشعاع المنقول من قيمته الأساسية، س = ٣ ´ ٨١٠ متر/ثانية، وهذا يتوافق مع معامل الانكسار لـلـوسـط (n = c/v) الذي يختلف عن الواحد، على الرغم من أن الفوتونات توجد فقط بسرعة س. تذكر أن الموجات الصغيرة المتناثرة تتحد جميعها في الطور في الاتجاه الأمامي لتشكل ما يمكن أن نسميه بشكل أفضل بالموجة الثانوية. لأسباب تجريبية بحتة يمكننا أن نتوقع أن الموجة الثانوية ستتحد مع ما تبقى من الموجة الأساسية لتنتج الاضطراب الوحيد الملحوظ داخل الوسط، وهو الموجة المنتقلة. كل من الموجات الكهرومغناطيسية الأساسية والثانوية تنتقل عبر الفراغ بين الذرات بسرعة س، ومع ذلك يمكن للوسط بالتأكيد أن يمتلك معامل انكسار يختلف عن ١. قد يبدو أن الموجة المنكسرة لديها سرعة طور أقل أو مساوية أو حتى أكبر من س، ويكمن مفتاح هذا التناقض الظاهري في العلاقة الطورية بين الموجات الثانوية والأساسية.

تم بحمد الله

 

(١) أُخذ هذا المقال من كتاب:
,Hecht, E. (2012). Optics. Pearson Education India
وتُرجم بصورة غير مباشرة لكي يناسب نسق المقالات وتسهيلا للقارئ.
(٢) ضوء الشمس يحوي جميع ترددات الضوء المرئي، وهذا هو سبب رؤية الشمس بيضاء في منتصف النهار.
(٣) يتكون الغلاف الجوي بشكل أساسي من غازيّ النيتروجين والأكسجين بنسبة ٧٨٪ و٢١ ٪ على التوالي.
(٤) الرنين في الفيزياء هو ظاهرة تحدث عندما يتذبذب نظام بمعدل أكبر من استجابته العادية عند تطبيق قوة دورية (مستمرة التكرار) معينة تتوافق تردداتها مع التردد الطبيعي للنظام.
(٥) من المعروف أيضًا أن العين البشرية تحتوي على ثلاثة أنواع من الخلايا المخروطية (المستقبِلات الضوئية) التي تستجيب بشكل مختلف للألوان الأساسية الأحمر والأخضر والأزرق، والخلايا المخروطية المسؤولة عن اللون الأزرق هي الأكثر حساسية للضوء الأزرق مقارنة بالضوء البنفسجي. نتيجة لذلك، عين الإنسان تفسر السماء كلون أزرق بدلاً من بنفسجي.






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في التكافؤ المنطقي بين مقولتي كلفن-بلانك وكلاوسيوس

حياة النجوم