حياة النجوم
عرف الإنسان النجوم منذ آلاف السنين واستفاد منها في تحديد الاتجاهات ومعرفة الفصول، كما جاء في محكم كتاب الله في سورة الأنعام: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، لكنه كان يجهل ما هيئتها وما سر إضاءتها المستمرة فاتجه شغفه باستكشاف سرها لدراستها والغوص في فهمها فوصل لسرها في القرن المنصرم وسار يجوب حولها وما حوليها وتتبع حياتها ومماتها.
النجوم
وعلاقتها بالكواكب:
إذا ما
ذكرنا النجوم سريعا ما يتبادر إلى أذهاننا بتلك الكتل الضوئية اللامعة الوضاحة في
سماء الليل الصافية. بيد أن ليس كل ما نراه مضيء في سماء الليل نجم. فوجب أولا
معرفة ما هو النجم. فالنجم كتلة كبيرة تحدث بداخلها تفاعلات يطلق عليها بالتفاعلات
النووية تنتج من جرائها طاقة تنتقل تدريجيا من قلب الكتلة إلى سطحها فتخرج منها في
شكل إشعاع يكون عادة مرئيا بألوان مختلفة بين الأحمر والأزرق فترى على الشكل الذي
نراه بألوانها المختلفة. وعلى خلاف النجم، فالكوكب لا يشع بنفسه، بل يستمد ضوئه من
النجم القريب منه ويعود ذلك لصغر كتلته مقارنة بالنجم. وإذا ما فسرنا علاقة الكتلة
بإنتاج الطاقة لوجدنا أن الكواكب صغيرة الكتلة وبالتالي قوة الجاذبية بداخلها
ضعيفة جدا لا تسمح بارتفاع درجة الحرارة في قلب الكوكب عن بضعة آلاف من الدرجات
المئوية -التي تعد ضرورية لحدوث التفاعلات النووية- خلاف عشرات الملايين الدرجات
المئوية في قلب النجم وبالتالي فالكوكب
لا يُنتج طاقة في داخله. وإن كنت تتساءل عن سبب ظهور كواكب المجموعة الشمسية مضيئة
في التلسكوبات أو الصور فذلك لأنها تعكس ضوء الشمس الواقع عليها.
أنواع النجوم:
يخيل إلينا أن النجوم كلها متشابهة كلها
نقاط لا فرق بينها، لكنها في الحقيقة تختلف عن بعضها في الخصائص والأشكال التي قد
تكون ظاهرية وقد تكون لا.
لعل
أول ما ستلاحظه لو أمعنت النظر هو أن للنجوم ألوان مختلفة فهناك الحمراء والزرقاء وكذلك
الصفراء والبيضاء. هذه الألوان تدل بشكل مباشر على درجة الحرارة على سطح هذا النجم.
درجة حرارة سطح النجوم الحمراء أقل بكثير من التي في الزرقاء، وهذا عكس ما نعرفه ونتصوره
في حياتنا اليومية فمثلا عندما نفتح الحنفية نجد أن اللون الأزرق وُضع على البارد واللون
الأحمر وُضع على الحار وهذا عكس ما تقوله الفيزياء.
الآن، بين هذا وذاك، عندما تكون درجة حرارة سطح النجم متوسطة أعلى
بقليل من درجة حرارة سطح النجوم الحمراء فيغلب اللون الأصفر. وعندما تكون درجة الحرارة
بين المتوسط والأعلى حينها يكون النجم يُشع كل الألوان في نفس الوقت فيظهر لونه الإجمالي
أبيضاً، ولكن الأبيض ليس بلون وإنما تركيب إجمالي لجميع الألوان. وإذا كنت تتساءل
عن شمسنا فهي بيضاء لكنها تبدو لنا صفراء بسبب تشتت بعض ضوءها في الغلاف الجوي.
هناك اختلاف آخر بين النجوم قد لا يمكن معرفته إلا بالحسابات الفلكية الدقيقة وهو التفاوت الكبير في كتل النجوم. وجد أن أصغر النجوم يكون حوالي عُشر كتلة الشمس وأكبرها حوالي 150- 200 أضعاف كتلة الشمس.
فالكتل الأقل من عُشر كتلة الشمس لا تسمى نجوما لأنها -مثلما أسلفنا سابقا- لا تستطيع
أن تُولد تفاعلات نووية بداخلها لأن الكتلة لا تسمح بتشكل ضغط عال جداً فلا ترفع درجة
الحرارة في المركز إلى الدرجة المطلوبة لحدوث التفاعلات النووية. أما بالنسبة للكتل
الأكبر من 200 مرة كتلة الشمس ليست بنجوم لأنها تصير حينها غير مستقرة فتنقسم أو تصير
في اضطرابات لا تتمكن من المحافظة على استقرارها.
والنجوم مثلما تختلف في الكتل كذلك تختلف من حيث الأحجام، فهناك نجوم
صغيرة لدرجة أن قطرها يصل إلى ثلث قطر الشمس فقط وهناك الأكبر منها، العملاقة، بل العملاقة
الفائقة قد تصل أقطارها إلى آلاف مرات قطر الشمس رغم أن كتلتها لا تفوق 200 مرة
كتلة الشمس. فقد يكون نجم ذو حجم عظيم، ولكن كتلة صغيرة فتكون كثافته قليلة جدا
وقد يكون ذو حجم صغير وكتلة كبيرة فيكون ذا كثافة عالية.
هذه الاختلافات في النجوم لها أسباب أهمها مكان ولادتها (السديـم).
ولادة النجوم:
في مكان ما في الفضاء الممتد، حيث تتواجد كميات كبيرة من الغازات
المختلفة المتجمعة، تولد النجوم. تبدأ ولادة النجم من السدم الرحم الموجود في
الفضاء. تتكون السدم من كميات كبيرة من الغازات المجتمعة المتوزعة بشكل غير منتظم فبعض
المناطق تكون ذات كثافة منخفضه وأخرى مرتفعة. تبدأ المناطق ذات الكثافة المرتفعة بفعل
قوى الجاذبية بجذب المزيد من الغازات نحوها لتكون بعد ذلك كرة من الغازات الكثيفة إلى
أن تصل إلى كتلة كافية بحيث أن الضغط في داخلها يكون عالي جداً أكبر مليار المرات من
الضغط الغازي الذي نحس به على أرضنا وتستغرق عملية تجمع الغازات بضع ملايين السنين.
تستمر هذه الكتلة بجذب المزيد والمزيد من الغازات وعندما يزداد الضغط وتزداد
الحرارة تبعا لذلك في قلب الكتلة إلى أكثر من حوالي 10 مليون درجة مئوية تبدأ
أنوية الذرات المكونة للكتلة بالانصهار وتندمج مع بعضها البعض فيما نسميه
بالتفاعلات النووية الإندماجية التي بدورها تنتج الطاقة. ويكون نتاج الطاقة بمثابة
إعلان لولادة نجم جديد.
عند بداية انتاج الطاقة، تشكل الطاقة المتولدة بقلب النجم ضغطا نحو
الخارج يعاكس قوة الضغط الداخلي الناتج بفعل الجاذبية. بعد عشرات ملايين السنين،
تتساوى قوة الضغط الداخلي مع الخارجي وعندها يصل النجم لحالة استقرار ويصير نجم مستقر
مثل نجمنا الشمس.
النجم حديث الولادة يكون بنسبة 90% عبارة عن هيدروجين، ولكن بفعل
سلسلة من التفاعلات النووية الاندماجية يبدأ مخزون الهدروجين بالتقلص نتيجة
لاندماج ذراته لتشكل الهيليوم وتوليد طاقة. يستغرق تحول الهيدروجين إلى هيليوم حوالي
10 مليارات سنة بالنسبة للنجوم الصغيرة وأقل من ذلك بالنسبة للنجوم ذات الكتلة الأكبر
لأنه كلما كانت الكتلة أكبر، كلما زاد ضغط الجاذبية، كلما احتاج النجم لتوليد طاقة
أكبر لتوليد الضغط الخارجي لمقاومة الجاذبية وبالتالي استهلاك كمية أكبر من مخزون
الهيدروجين في وقت أقصر.
بعدما ينفذ الهيدروجين وتتحول كتلة النجم إلى كتلة من الهيليوم يتوقف
النجم عن إنتاج الطاقة فينهار على نفسه تحت ضغط الجاذبية. توقف النجم عن انتاج
الطاقة لتوقف تفاعلات الاندماج النووية إذ أن الهيليوم لا يستطيع الاندماج تحت
الظروف الحالية لأن شحنته الكهربائية أعلى فهو يقاوم ويتناثر مع بعضه ويحتاج إلى ضغط
أعلى ويحتاج لدرجة حرارة أعلى. نتيجة انهيار النجم على نفسه تزداد الحرارة
الداخلية ويزداد الضغط معها. تستمر الجاذبية بانهيار النجم إلى أن يصل إلى درجة
الحرارة المناسبة لاندماج الهيليوم. تبدأ من جديد التفاعلات النووية الاندماجية،
ولكن هذه المرة يندمج الهيليوم ويشكل طاقة هائلة تجعل النجم الضغط الخارجي أعلى من
الضغط الداخلي مما يجعل النجم ينتفخ ويتحول فيما نسميه بالعملاق الأحمر. سبب
تسميته بالأحمر لأنه نتيجة الانتفاخ تزداد المساحة الخارجية لسطح النجم فتتوزع
طاقة الحرارة على حجمه الكبير فتقل درجة الحرارة على سطحه مما يعطيه اللون الأحمر.
تستغرق عملية اندماج الهيليوم نحو مليار سنة مقارنة ب 10 مليار سنة
التي يستغرقها استنفاذ الهيدروجين. بعد المليار سنة تحدث نفس العملية، يزداد الضغط
الداخلي بفعل الجاذبية فينهار النجم مرة أخرى على نفسه، ترتفع درجة حرارته. توليد
الطاقة يعتمد على حدوث التفاعل النووي وعندما ترتفع درجة حرارة النجم يعتمد إذا
كان النجم ذو كتلة صغيرة كالشمس مثلا لا تحدث تفاعلات نووية فيموت النجم نتيجة
لعدم قدرة النجم للوصول إلى درجة الحرارة المطلوبة لاندماج العنصر المتكون من
اندماج الهيليوم وهو الكربون. بالنسبة للنجوم الكبيرة، يستمر الضغط الداخلي وتستمر
درجة الحرارة معه بالازدياد إلى أن يصل إلى درجة الحرارة المناسبة لاندماج الكربون
ثم الأكسجين وتستمر العملية بتكرار نفسها إلى ان يصل إلى عنصر الحديد حيث لا يمكن لأي
عمليات نووية أن تحدث. ويعود ذلك لأن
الحديد هو العنصر الأكثر استقرارا من العناصر الطبيعية، وعندما يصل النجم للحديد
لا يستطيع إنتاج الطاقة فيموت.
موت النجوم:
عندما يصل النجم لحالة عدم استطاعته إنتاج طاقة تكون حياته واشكت على الانتهاء.
وطريقة موت النجوم صغيرة الكتلة تختلف عن الكبيرة.
أول مراحل موت النجم الصغير
بتحوله إلى عملاق أحمر. عندما تتوقف التفاعلات النووية فيه نهائيا، لا يستطيع
النجم المحافظة على طبقاته الخارجية فتبدأ هذه الطبقات بالانتشار والتبعثر في
الفضاء تدريجيا مكونة فيما نسميه السديم الكوكبي " planetary nebula
". بالنسبة لقلب النجم الصغير فسينهار على نفسه -إذ أنه لا يستطيع مقاومة
الجاذبية- مكونا فيما نسميه بالقزم الأبيض عبارة عن كتلة صغيرة جدا ذو كثافة هائلة
حاملا على سطحه درجة عالية جدا من الحرارة التي أنتجها سابقا. مع مرور الزمن، يفقد
القزم الأبيض درجة حرارته ويتحول إلى قزم أسود وهذا هو الموت النهائي لهذا النجم الصغير.
بالنسبة للنجوم الكبيرة، عندما تصل إلى الحديد تبدأ بالانتفاخ مشكلة
عملاقا فائقا أحمر" Super
giant ". وكما ذكرنا سابقا، يتوقف النجم عن
انتاج الطاقة وليس أمامه أي طريقة لمقاومة الجاذبية فينهار على نفسه. يحدث الانهيار
خلال مدة صغيرة جدا لا تتجاوز نصف دقيقة وإذا ما تصورنا بأن كتلة ضخمه أقلها 5
أضعاف كتلة الشمس تنهار على قلبها العالي الكثافة في مدة صغيرة نجد لا بد من حدوث
ارتداد. فهذا الانهيار يسبب ارتدادا لكل الكتلة المنهارة على قلب النجم وهذا
الارتداد يؤدي إلى حدوث انفجار لا مثيل له نسميه المستعر الأعظم " Supernova
" يشتت الكتلة بكل قطعها في الفضاء. ومع انتشار كتلة النجم على مساحات الفضاء
يمكن أن تشكل لنا سديما والذي يمكن أن يساهم في ولادة نجوم جديدة أو حتى كواكب.
أما عن قلب النجم، يعتمد مصيره على كتلته. فالنجوم ذات الكتلة الأكبر عن كتلة
الشمس ب 5 إلى 10 مرات، ينضغط قلب النجم ليصبح قطره بين العشر كيلو متر مشكلا كتلة
ثقيلة جدا تدور بسرعه هائلة حول نفسها نسميها نجما نيتروني. بالنسبة للنجوم الأكبر
من 10 مرات كتلة الشمس، فقلب النجم ينضغط وينضغط إلى أن يصل قطره لا يتجاوز عن
الكيلو متر فيصبح ذو جاذبية عظيمة بحيث لا يسمح لأي شيء من الفرار منه ويلتهم كل
ما يقابله ونسميه بالثقب الأسود.
________________
المراجع:
1- Hubble Space Telescope. Available at: https://hubblesite.org/
2- Stars 101: National Geographic (2019) YouTube. Available at: https://youtu.be/EFO_bsg1sw8?si=OcdtZfAgjP4LNodA
3- الكون (45) ما هي النجوم؟ (2014) YouTube. Available at: https://youtu.be/brsZzb_L5kk?si=-8pKGSbqEhHeMrpt
4- الكون (48) ولادة النجوم ومراحل حياتها (2014) YouTube. Available at: https://youtu.be/D-A850d-K-Q?si=AHmSA65s77LCSNgw
1
تعليقات
إرسال تعليق